الامن الغذائى المصرى بين سندان الاحتكار ومطرقة تفتيت الملكية

الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 10:20 م
شارك الخبر

بقلم الدكتور " اسامة سلام

خبير الموارد المائية

القطاع الزراعي في مصر يلعب دورا مهما لتحقيق الأمن الغذائي وفى استيعاب نسبة من اجمالي القوى العاملة تقترب من 27%, وهو من أكبر ‏القطاعات العمالية في مصر، كما يساهم في زيادة حصيلة الدولة من العملات الأجنبية ‏عن طريق زيادة الصادرات الزراعية. والقطاع الزراعي أهم الأدوات على الإطلاق لتحقيق الأمن الغذائي المصري والذي يتأثر بعوامل عديدة منها: ‏‏الزيادة السكانية المضطردة مع انخفاض في مساحة الأراضي الزراعية وخاصة الأراضي القديمة، ومحدودية الموارد المائية المتاحة بالرغم من أن مصر تستخدم مصر نحو 80% من مواردها المائية في الزراعة، وأيضا من العوامل التي تؤثر على الأمن الغذائي عدم الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية. وكذلك ‏‏انفتاح الأسواق للتجارة العالمية، في إطار اتفاقية الجات، وسياسة الأسواق ‏المفتوحة مع ‏ارتفاع مستويات المعيشة، والتي تسبب زيادة في الطلب على المُنتجات الغذائية.

ولنبدأ من بعيد حيث تميزت الحضارة المصرية القديمة بطابعها الزراعي حيث استقر المصري القديم وأحسن استغلال الأرض وموارد مصر الطبيعية لسد حاجاته ويعتبر النيل من أهم العوامل الطبيعية التي ساعدته على ذلك وقد راقب القدماء النيل وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق عن طريق إقامة السدود وحفر الترع والقنوات. أما في عصر الدولة الحديثة فقد تدهورت الزراعة قبل محمد علي بسبب ملكية الانتفاع وتراخي الفلاحين عن العمل واهمال الري وتعدد الضرائب لذا قرر محمد علي أن تقوم الدولة ممثلة في محمد علي بتحديد نوع الغلال والمصنوعات وثمن الشراء وكان الهدف المنافسة في السوق الدولية وبناء دوله قوية، لذا قام خلال الفترة من (1808-1814) بإجراءات أدت إلى تغير أوضاع الملكية حيث تم ألغاء نظام الالتزام ومصادرة أراضي الملتزمين وضم أراضي الأوقاف والتي عجز أصحابها عن اثبات ملكيتها ثم قام بزراعة الاراضي بالفلاحين. ولقد أدت سياسة محمد علي في مجال ملكية الأرض إلى ظهور 3 أنواع من الملكية أهمها الملكيات الكبيرة والتي انعم بها محمد علي علي افراد أسرته وكبار الحاشية (الجفالك) وملكيات متوسطة ومنها أراضي الوسية للملتزمين من المماليك والاراضي المسموح بها لمشايخ البلاد وتقدر بحوالي 5% من زمام القرية ثم الملكيات الصغيرة وهي عبارة عن ملكية الانتفاع وتقدر بحوالي من 3 الى 5 أفدنة. ولتطوير الزراعة في ظل الاحتكار عمل محمد علي على زيادة الإنتاج الزراعي من خلال أدخال اساليب زراعية جديدة واستقدام المدربين المتخصصين في نظم الزراعة المتطورة كما قام بتحسين طرق الري وشق الترع والقنوات المائية مثل المحمودية واهتم أيضا بالتعليم الزراعي وأدخل غلات جديدة ولتطبيق نظام الاحتكار في مجال الزراعة قام محمد على بتزويد الفلاح بلوازمه على أن يخصم ثمنها من قيمة المحصول كما الزم الفلاح بزراعة ما تقرة الدولة.

في عهد المماليك كان من المألوف أن تجنى الضرائب نوعا من حاصلات الارض، ولم يكن الفلاحون أغنياء بحيث يستطيعون دفع الضريبة نقدا في موعدها، كما أن الحكومة كانت تعطي الفلاحين مستلزمات الزراعة والمواشي والبذور التي يحتاجون إليها كقرض، فكانت دينا عليهم يجب أن يدفعوه مع الضرائب. لذلك سمح محمد علي للفلاحين أن يؤدوا الضريبة صنفا من حاصلات أراضيهم، وأنشأ في المديريات شونا (جمع شونة) لتحفظ فيها الحاصلات التي تجنى من الفلاحين، ومن هنا أصبحت الحكومة تتولى بيعها للأهالي وللتجار وتقوم بتصديرها لحسابها فربحت كثرا مما أغراها باحتكار حاصلات مصر والاتجار بها. وصار الفلاحون إذا احتاجوا للغلال يشترونها من الحكومة ثانية، وبأسعار عالية. ومن الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية شل نظام الاحتكار حركة التقدم الاقتصادي والمعيشي لعامة الشعب، لأن اجبار الفلاحين على بيع حاصلات أراضيهم للحكومة بأسعار اجبارية، ينطوي على الظلم والارهاق، وفيه حرمان المالك من الاستمتاع بحقه، كما أن العمل بمثل هذا النظام يقتل كل همة ونشاط فردي.

ثم يأتي  إصدار قوانين الإصلاح الزراعي والتي بموجبها تم تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية في مصر وقامت الدولة بمصادرة الأراضي الزراعية التي تزيد عن الحد المقرر وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى عملية استلام الأرض من الملاك وتوزيعها على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض بواقع 5-2 أفدنة مما أدى إلى تفتيت المساحات الكبيرة. لكن سرعات ما تفتت هذه الملكيات والحيازات الزراعية أكثر وأكثر مع ارتفاع معدلات الزيادة السكانية كما لعب نظام المواريث دورا رئيسيا في هذا التفتت حيث يوجد حاليا مليون حائز لديهم مساحة 6 قراريط فقط. ومن أكثر المحافظات تعرضا لتفتيت الحيازة هي محافظات المنوفية والغربية، حيث يمثل نسبة المساحة لأقل من فدان نحو 33.9%، 28.4% من إجمالي مساحة الحائزين. أما في سوهاج والمنيا بالوجه القبلي تمثل نسبة المساحة أقل من فدان 28.6% إلى 24.3% من إجمالي مساحة الحائزين.

الخلاصة: بسبب انخفاض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية بدأ الفلاح بالتفكير في تبوير الأرض الزراعية، واستغلالها كمشروعات سكنية أو مشروعات أخرى كما أنه بعدما قل المردود الاقتصادي للزراعة نفسها، ظهرت مجموعة من الكيانات الزراعية والتجارية الرأسمالية المحتكرة، فتدهورت منظومة الزراعة الكلاسيكية في الدلتا والوادي. وأيضا وبسبب تفتيت الأراضي الزراعية لم يعد من الممكن التحكم في المحاصيل الاستراتيجية والتي تعتبر أمنا قوميا وكذلك لا يمكن استخدام الميكنة الزراعية بكفاءة ترشيدا للنفقات كما أن هناك استحاله في تطوير نظم الري في ظل الحيازات الصغيرة المفتتة لذا هناك ضرورة ملحة لــ :

-وضع مظلة تشريعية وحزم تحفيزية لحائزي المساحات المفتتة لتجميعها وتطوير نظم الري بها توفير وترشيدا لاستخدام المياه كمحدد رئيسي للزراعة.

-وضع تعريف محدد وواضح لصغار المزارعين لإمكانية توجيه الجهود إليهم.

-تبني مجموعة من السياسات الزراعية والتسويقية الذكية والمستدامة لدمج صغار المزارعين.

-إيجاد تشريعات وسياسات زراعية تدعم صغار المزارعين في الريف المصري والوصول إلى زراعات ذات قيم اقتصادية أعلى مع عودة الدورات الزراعية بصورة أكثر فاعلية وبتنظيم ذكي.

تطوير فوري لنظم اقتصادية زراعية داعمة لصغار المزارعين من خلال بيوت المال والبنوك المصرية والدولية 

أضف تعليق

أخبار ذات علاقة

القائمة البريدية